أقباط «أسيوط »تحت رحمة العصابات.. «الدفع أو القتل»
أقباط «الشامية» بأسيوط تحت رحمة العصابات.. «الدفع أو القتل»
• تهجير قسري لـ11 أسرة رفضت دفع الإتاوة.. والأنبا يؤانس: نسأل الله أن يرحمنا من الأزمة
• زعيم العصابة مهددًا ضحاياه: أنا مش الحكومة أنا اللي كسرت الحكومة
• مصدر أمني: قبضنا على 12 من أفراد العصابة و50 حملة لم تفلح مع أشرف
• مدير إيبراشية أسيوط: قدمنا ملفًا كاملًا للمسؤولين.. وشكوت للرئيس السيسي ولا بد أن نصبر عليه
• اللواء أبو القاسم أبو ضيف: الشرطة تبذل جهودًا كبيرة لضبط الأمن في القرية.. وقتلنا نجل شقيق أشرف
«قبطي وغني».. بهاتين الكلمتين لخص عصام ميشيل، ابن قرية الشامية بمركز ساحل سليم، الذي جلب عليه ماله المتاعب وشر العصابات المسلحة التي «تنغص على الأقباط في الصعيد حياتهم».
مع كل خطوة يسيرها في الشوارع، يتلفت حوله ناظرًا من أي جهة يأتيه رصاص المجرمين؛ لأنه لم يدفع الإتاوة، منتظرًا مصير شقيقيه.
ففي وزارة الداخلية قابله المسؤول الكبير وأخذ منه شكواه بعدما استمع إلى توسلاته، منذ أكثر من أسبوع، لكن شيئًا لم يحدث ولم تتحرك الشرطة، التي شنت حملة وحيدة على «عصابة الشامية» في شهر فبراير الماضي، وخرجت من الحملة صفر اليدين بعد هروب المتهمين إلى المناطق الجبلية.
«قصة قرية الشامية بأسيوط لم تحدث في عصر الرئيس المعزول محمد مرسي، لكنها حدثت بعد 30 يونيو».. هكذا بدأ عصام يروي مأساته لـ«الشروق»، قائلا: تلقى شقيقي مدحت منذ عام اتصالا من شخص شهرته «أشرف حلاقة»، معروف بسوء سلوكه، يطالبه بدفع 10 آلاف جنيه، وإلا سيقتلونه فتضايق أخى ورفض، لكن أشرف أصر على تهديده وكرره.. «الدفع أو القتل».
وأضاف: توجه شقيقي إلى مديرية الأمن، وقابل المسؤولين، وطمأنوه، واتفقوا معه على نصب كمين للمتهم، وأفراد العصابة، وفي الموعد المحدد دخل أشرف وصديقه الذي يدعى «سليمان» على شقيقي مدحت وعماد، وحدثت بينهم مشادة لأن مدحت رفض الدفع، فكانت النتيجة أن رصاص العصابة سكن جسد الأخوين، ولم يتدخل أحد لحمايتهما.
واستكمل: اتصل أخي الطبيب الدكتور سامي بالشرطة للتدخل لإنقاذ الأخوين، لكنها لم تستجب، وكنا نتوقع ذلك، لأن أقارب أشرف زعيم العصابة، ضباط ومسؤولون أمنيون، وردًّا على هذه الواقعة حاصر الأقباط مركز الشرطة غضبًا من تجاهلها الحادث، واتصل بي مدير الأمن حينها اللواء أبو القاسم أبو ضيف، ووعدني بالحل لكن بلا فائدة وماتت القضية.
مرت الأيام ولم تقبض الشرطة على الجاني، فزادت أعداد المجني عليهم، وبدأت العصابة توسيع نشاطها وزيادة قيمة الإتاوات، وبعد 20 يومًا من قتل شقيقي مدحت وعماد، كرر أشرف تهديده لعائلة مسيحية أخرى وطلب إتاوة 20 ألف جنيه، ووافقت فورًا واستمرت التهديدات وأغلب الضحايا دفعوا الإتاوات، لكن بعض الأسر هاجرت من أسيوط هربًا من العصابة.
الرحيل لا بد منه
تغيير خط التليفون المحمول، وعدم الاتصال بالأقارب في أسيوط نهائيًّا، والتكتم الشديد على مكان الإقامة الجديد.. هذه الخطوات حددها عصام ميشيل، لضمان عدم وصول العصابة إليه.
في إحدى العمارات بالجيزة تسكن مجموعة من الأسر، هربت من قرية الشامية، التي يعيش فيها نحو 150 ألف نسمة، من بينهم نحو 60 ألف مسيحي أغلبهم أثرياء، بعدما وصلت الإتاوة إلى 600 ألف جنيه بسبب «تراخي الأمن» في القبض على المجرمين.
وقال عصام: هناك أطباء رفضوا دفع الإتاوة فخطفتهم عصابة أشرف، وقيدتهم في حظيرة البهائم لمدة 3 أيام، وأيضًا شخص يدعى نبيل محروس سليمان، رفض دفع إتاوة 200 ألف جنيه فأطلقوا الرصاص على قدمه ليعيش عاجزًا عن الحركة.
وأضاف: في إحدى الحوادث المعروفة خطفت العصابة شابًّا ثلاثينيًّا يدعى أكرم في العام الماضي، ودفع والده فدية 200 ألف جنيه، وبعد مرور شهور، حاولت العصابة خطفه مرة أخرى، لكنه تمكن من الهروب وهاجر مع عائلته تاركًا ممتلكاته.
11 أسرة تهجرت من «الشامية» والقرى المحيطة خوفًا من التهديدات المتكررة، لم تنفع الأموال الكثيرة التي تمتلكها هذه الأسر في مواجهة العصابة، حتى بتأجير بلطجية، ما دام أن «الشرطة لم تتدخل لردع المجرمين».. ويفسر عصام سبب استهداف العصابة للأقباط فقط، بأن المسلمين في القرية عائلات كبيرة ومتكاتفة وأغلبهم فقراء على عكس الأسر القبطية.
وعن الاتصالات مع الكنيسة، يقول عصام «ذهبنا في وفد من القرية إلى الكنيسة، وقابلنا البابا تواضروس الثاني، واستمع إلينا ثم سلم ملف قرية الشامية إلى اللواء نبيل رياض، مسؤول أمن الكاتدرائية، لكن بلا فائدة أو استجابة».
ويضيف: عندما عين الأنبا يؤانس لإدارة مطرانية أسيوط، اتصل بنا ووعد بحل الأزمة، لكن الحال لم يتغير، و«هناك عناصر أمنية تتعاون مع العصابة، فالأمر يشبه قصة عزت حنفي».
وأضاف عصام أن العصابة بها أفراد من الأقباط، يرشدون عن الأسر القبطية الثرية في الشامية والقرى المحيطة ويجمعون عنها معلومات.
ترك أرضه وهرب
استبد الخوف بأقباط القرية إلى درجة مطالبة بعضهم بعدم تدخل الكنيسة حتى لا تستهدف العصابة رجال الدين، وقال أحد أبناء عمومة عصام، ويدعى ش.ل: «الكنيسة ليست لها علاقة بالحادث وأي تدخل لأي مسؤول كنسي سيعرض حياته للخطر، وهو ما حدث من قبل مع أحد الكهنة في القرية حيث أطلقت العصابة النيران أمام منزله».
وعن تفاصيل تهجيره قال: «في يوم جاء لي أحد أفراد العصابة وطلب مني التنازل عن القضية التي رفعناها ضد أشرف بعد قتل أبناء عمي مدحت وعماد، ودفع إتاوة فرفضت، فقال لي اترك أرضك، التي تقدر بنحو 5 ملايين جنيه، ولا أريد أن أراك في الشامية مرة أخرى، وهددني بالقتل فتركت قريتي وممتلكاتي وهربت مع أسرتي».
«أقباط أسيوط تحت رحمة العصابات».. هكذا بدأ م. ص، حديثه مع «الشروق»، قائلا: أشرف رئيس العصابة التي تستهدف الأقباط عمره 25 عامًا، والأمن يخشى من عصابته، ولو ذهبت إلى القسم لتقديم بلاغ ضده، يفاجئك بعد خروجك من مبنى القسم باتصال يبلغك فيه برفع قيمة الإتاوة كنوع من العقاب.
ويضيف: «في إحدى المرات اقتحمت الشرطة منزل أشرف، ونشبت بينها وبين أفراد عصابته اشتباكات بالأسلحة النارية، تبادلوا خلاله إطلاق الرصاص لمدة ساعات، ورد أشرف بحرق 3 لوادر تابعة لمجلس المدينة، وفي أحد المواقف قال لنا أشرف: أنا مش الحكومة أنا اللي كسرت الحكومة».
ويكمل: الشرطة قادرة على القضاء عليه، فعندما زادت جرائمه وعصابته، عينت الداخلية مأمورًا جديدًا للقسم يدعى محمود بدوي، نجح في القبض على أخطر عناصر العصابة، بعدما تنكر ونزل إلى الشارع وتحرك بعيدًا عن المخبرين، لأن «أغلبهم يعمل مع العصابة»، لكن الداخلية نقلت هذا المأمور من القسم رغم نجاحه، فعاد أشرف لإجرامه مرة أخرى.
وأكد أن أشرف طلب مني أن أترك أرضي وممتلكاتي؛ لأنني رفضت الخضوع لأوامره ودفع الإتاوة، فطردنا من البلد، وحذرنا من زراعة الأرض، وفي حال تنازلنا عن قضية قتل عماد ومدحت، وعدم فضح أمره في الإعلام سيقرر العودة إلينا.
تحدثت الأسر التي تم تهجيرها عن خوفها، وعادت إلى القرية الشامية يوم الخميس الموافق 18 سبتمبر، لحضور الذكرى السنوية الأولى لوفاة أول ضحايا عصابة أشرف، وغادرتها في اليوم نفسه؛ لأن العصابة كانت ترصدهم لولا سيطرة الأمن في هذا اليوم بسبب كثرة المعزين.
نصلي لله ليرحمنا
الأسر الهاربة لم تعقد الأمل على الأنبا يؤانس سكرتير البابا شنودة الثالث السابق، والمسؤول عن إدارة إبراشية أسيوط مؤخرًا، مؤكدين أن الأزمة أكبر من الكنيسة، لكن الأنبا قال لـ«الشروق»: إن الكنيسة أعدت ملفًّا وسلمته للمسؤولين ونصلي لله أن يرحمنا من تلك الأزمة.
كان الأنبا يؤانس زار كنيسة السيدة العذراء بالشامية، وأكد في تصريحات صحفية على هامش الزيارة أنه عرض جميع مشاكل الأقباط على الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن بينها جرائم الخطف، والتهجير القسري، وبناء الكنائس، والاستيلاء على الأراضي، ودفع الإتاوات.
وأضاف أنه من الضروري إمهال الرئيس فترة كافية «لأن مصر بها الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى وقت لحلها، والكثير من مشاكل الأقباط تحتاج إلى خطط طويلة المدى».
وقال مصدر كنسي داخل القرية، تتحفظ «الشروق» على نشر اسمه لتعرضه لمحاولة اغتيال من قبل: إن الأمن نجح في القبض على عناصر إجرامية كثيرة لكن هناك عنصرًا واحدًا لم يتم القبض عليه، وهو من أخطر العناصر، مؤكدًا أن الكنيسة تبذل جهدًا كبيرًا في إقناع الأقباط بعدم ترك القرية وبذل الجهود مع الأمن للسيطرة على الموقف.
جهود مكثفة لضبط العصابات
ومن جهته أكد اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان أنه استقبل عصام ميشيل كأحد ممثلي أقباط قرية الشامية مرتين، موضحًا أنه تواصل مع مديرية أمن أسيوط لبحث تلك الأزمة.
وأضاف أن وزارة الداخلية تشن حملات أمنية مكثفة على البؤر الإجرامية، حتى لا تتحول إلى أوكار للمجرمين يصعب القضاء عليها، مشيرًا أن الوزارة تهتم بشكل كبير بشكوى أقباط الشامية، وخلال يومين سنصل لنتائج ملموسة.
كما قال مصدر من داخل قطاع الأمن العام بأسيوط: إن قرية «الشامية» التابعة لمركز ساحل سليم من أخطر البؤر الإجرامية داخل المحافظة، وإن الحملات الأمنية مستمرة لضبط العناصر الخارجة على القانون داخل القرية.
وأكد أن هناك حملات أمنية موسعة شبه يومية تستهدف تلك العناصر، وأنه تم ضبط أعداد كبيرة من المعتدين على قسم شرطة ساحل سليم العام الماضي بتاريخ 14 أغسطس 2013، وعلى رأسهم مصطفى كامل عمر دهمان زعيم التشكيلات العصابية، الذي تم ضبطه شهر يوليو الماضي.
وأشار المصدر إلى ما حدث في الشامية منذ عام من واقعة قتل قبطيين التي اتهم فيها 4 أشخاص، موضحًا أنه تم ضبط اثنين منهما خالد فوزي حلاقة، وحمدي فاروق حلاقة، وآخرين هاربين هما أشرف سالم حلاقة، وسالم أحمد سالم.
وأضاف أنه في سبتمبر 2013 تم استهداف قرية الشامية بقرابة 150 مأمورية أمنية لعودة الأمن والانضباط خلال العام الماضي، تم خلالها ضبط عناصر إجرامية بالإضافة إلى ضبط أسلحة آر بي جي ورشاشات جرينوف ومتعدد وبنادق آلية، وتم تنفيذ قرارات إزالة لقرابة 18 منزلا مخالفا.
وأضاف المصدر أن العمليات الأمنية مستمرة داخل الشامية للقضاء على البؤر الإجرامية، مشيرًا إلى أن العمليات الأخيرة تمت يوم الاثنين الماضي.
وأوضح أنه لم يتم تحرير محاضر ضد أشرف حلاقة تتهمه بـ«طرد» الأقباط من أراضيهم، وأن ما تم تحريره هو محضر واحد فقط من أحد المواطنين يتهم أشرف حلاقة بالتعدي على مزارع أثناء العمل في حقله.
وشدد على أن الداخلية تعمل على تنفيذ القانون، ولا تعمل لمصلحة أحد أو تحت ضغوط من أحد، وما تنفذه من حملات مداهمة وضبط عناصر خطيرة من عائلة «حلاقة» الهدف منه ضبط الأمن، حيث تم ضبط 12 شخصًا من العائلة، وتنفيذ قرابة 50 مأمورية لضبط أشرف نفسه.
وعن نقل الضابط محمود بدوى إلى شرطة النقل والمواصلات بالرغم من نجاحه فى استعادة الأمن والاستقرار وحماية الأقباط، كشف المصدر أن «الضابط تم نقله بناء على رغبته وليس بتدخل من أحد».
وقال اللواء أبوالقاسم أبوضيف، مساعد الوزير لمنطقة وسط الصعيد السابق ومدير أمن أسيوط سابقا، الذى عاصر حادث قتل أول قبطيين فى الشامية، إن الشرطة بذلت جميع الجهود لإعادة الأمن والانضباط إلى قرية الشامية، وضبط العناصر الإجرامية، وعلى رأسها أشرف حلاقة المتهم فى عدة قضايا، مشيرا إلى أن الخدمات الأمنية الدورية داخل القرية لم تنقطع.
وأضاف أبوضيف أن الأجهزة الأمنية تمكنت من قتل ابن شقيق أشرف حلاقة فى إحدى الحملات الأمنية لتصديه لقوات الأمن بالأسلحة النارية، مؤكدا أنه قاد حملتين داخل القرية بنفسه بعد واقعة مقتل القبطيين وتمت إزالة منازل المتهم لمخالفتها للقانون.
وشدد مدير أمن أسيوط السابق على أنه لا يوجد مكان عصى على رجال الداخلية، مشيرا إلى أن المنطقة الجغرافية صعبة وتقف حائلا ضد القبض على باقى المتهمين.
وقال اللواء محمد نور الخبير الأمنى ومساعد وزير الداخلية لقطاع شمال الصعيد الأسبق «من غير المنطقى تفسير ما يحدث بقرية الشامية فى أسيوط على أنه فتنة طائفية»، مشيرا إلى أن الأقباط بأسيوط يمتلكون العزوة والمال، بالإضافة إلى أن المحافظة بها «مطارنة أقوياء» لن يسمحوا بذلك.
وأضاف أن الأقباط فى مصر يعاملون معاملة المسلمين، وإن وجد تقصير فى بعض القرى بالصعيد، فبالتأكيد هى حالات فردية لانشغال رجال الأمن بقضايا الإرهاب، ما يؤدى إلى زيادة الجريمة الجنائية، وبالإضافة إلى صعوبة المنطقة الجغرافية فى الصعيد لضبط الجناة.
وأشار اللواء نور إلى أن هناك قنوات شرعية للشكوى، فى حالة شعور أحد المواطنين بوقوع ضرر عليه أو تقصير من أحد رجال الشرطة فى القيام بواجبه، فالشكوى تكون لقطاع التفتيش والرقابة ومدير الأمن العام.
وأكد نور أنه لا عودة إلى «خط الصعيد» مرة أخرى، مطالبا رجال الشرطة بعدم تأجيل القضاء على البؤر الإجرامية حتى لا تزيد قوتها «خط الصعيد بدأ حرامى فراخ والتقصير الأمنى زاد من قوته وإجرامه».
0 التعليقات:
إرسال تعليق